The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

مزيكا

الحضرة: تراث مصر الصوفي خرج للمسرح!

الحضرة: تراث مصر الصوفي خرج للمسرح!
بواسطة
Cairo 360

الفن القوي مش اللي يبقى أداؤه متقن وتفاصيله كتير ورسايله مكلكعة.. الفن القوي هو الفن اللي الجمهور بيلاقي نفسه فيه، بيعكس اهتماماته، وبيشاور على احتياجاته، وبيقدر همومه، وبيعالج قضاياه، وبيفتح له باب للتعرف على ذاته بشكل أفضل.. يمكن ده اللي بيفسر التفاف الناس حوالين فنانين بعينهم على حساب فنانين تانيين رغم أن جودة الأداء وعمق الرسالة وكترة التفاصيل مش دايمًا بيبقوا في صف الفنان المحبوب.. ده لأن الجمهور مش بيدور على صنايعي شاطر يخرج يستعرض شطارته، الجمهور بيدور على حد يتكلم بلسانه ويعبر عن اللي هو مش عارف يعبر عنه بالشكل اللي هو مش قادر يعبر بيه!

لو أخدنا الكلام اللي قلناه ده في الاعتبار جايز نوصل لنتيجة مقنعة وإحنا بنحاول نفهم أسباب الشعبية الكبيرة اللي اكتسبها الفن الصوفي في السنوات القليلة الماضية، رغم أن اللي تصدروا للأداء فيه مش دايمًا كانوا على مستوى عالي من ناحية الرؤية الفنية ولا من ناحية جودة الصنعة.. لكن واضح أن اللون ده خبط عند الناس في احتياجات نفسية كتيرة كانت مفتقدة أو مستخبية في أحسن الأحوال، وكشف لهم عن عالم متعالي على الواقع المربك اللي هما عايشينه، وعرفهم طريق الصفا من تاني بعد ما كانت الدنيا شفطت روحهم بزحمتها ومشاكلها.

فرقة “الحضرة” اللي بدأت نشاطها في 2015 ماكانتش أول فرقة بتقدم فن صوفي على الساحة في مصر.. سبقها فرق وفنانين كتير جدًا، وكل حد فيهم كان بيقدم شكل مميز وخاص بيه، لكن معظمهم بنى قاعدة جماهيرية في وقت ظهوره وقفل الموضوع بعدها معاه على كده، وفضل جمهوره هو هو اللي سمعه في البداية، وبقى النمو الجماهيري محدود جدًا جدًا، وبالتالي تحول الوضع العام في سوق هذا اللون من الفن إلى الجمود، الجمود اللي عادةً بيسبق الموت!

من هنا كانت “الحضرة” تصلح كحالة جديرة بالدراسة.. مش بس علشان الفرقة من ساعة ما بدأت ولحد دلوقتي جمهورها في ازدياد مستمر، لكن علشان كمان طبيعة الجمهور نفسه مش ممسوكة خالص، لا تقدر تقول أنهم لموا حواليهم فئة عمرية معينة ولا شريحة فكرية أو اجتماعية معينة ولا أي كلام من ده.. هما لموا حواليهم “الناس”.. “الناس” بكل ما تحمله هذه الكلمة من تنوع واختلاف في داخلها.. علشان كده التجربة بتاعتهم طرحت علينا كم كبير من الأسئلة شفنا أنه من الواجب الإجابة عليها.. إيه؟ وليه؟ ومين؟ وإمتى؟ وإزاي؟ وفين؟ واشمعنى؟ .. وأسئلة تانية كتير هنحاول نستعرض إجاباتها في السطور الجاية.

إشمعنى؟

ده أكتر سؤال فضل يلح علينا ويدوشنا لحد ما قدمناه على بقية الأسئلة رغم أنه في أسئلة تانية قد تبدو أكتر أهمية للبعض خصوصًا للي مايعرفوش عن تجربة “الحضرة” وبيعرفوا عنها لأول مرة من خلال مقالنا ده، لكن ما علينا.. اسمحولنا نجاوب ده وبعدين هنرجع معاكم للتدرج المنطقي في بقية الأسئلة..

علشان نجاوب على سؤال “إشمعنى” إجابة مقنعة حاولنا نشوف إيه أكبر فرق بين “الحضرة” وبين بقية فرق الإنشاد الصوفي على الساحة.. لقينا أنه الفرق الأكبر هو أن “الحضرة” بتقدم حالة حقيقية، بمعنى أنه الفرقة ماحاولتش تعزل القصايد اللي بتغنيها عن البيئة بتاعتها، ولا تلبسها توب مختلف، ولا تعيد تشكيل روحها.. لأ.. الفرقة راحت أخدت الحالة اللي بيعيشها المتصوفة في مصر في مساجدهم، ونقلتها للمسرح بكل تفاصيلها بشكل فني، وده واضح جدًا في كذا جانب.. زي أن المزيكا اللي بتتلعب معاهم رايقة جدًا ومش زحمة خالص علشان روح الموضوع ماتتوهش،وزي برضه أنه فيهم موسيقيين شطار جدًا ورغم ده فضلوا متمسكين ببساطة وسلاسة ألحانهم وعمرنا ماشفناهم بيحاولوا يعقدوا الألحان علشان يستعرضوا فنيًا على حساب روح الكلمات وطبيعة الحالة، وزي برضه أن كلمات أغانيهم هي مزيج فريد بين قصايد الصوفية الكبار الأوائل وبين صوفية العصر.. وده يديك إحساس أن الموضوع أشبه بسرد تاريخي لوجدان الصوفية ولطرق تعبيرهم عنه في العصور والبيئات المختلفة!

 

إيه هي الحضرة؟

الحضرة هي -ببساطة شديدة- فرقة إنشاد صوفي مصري بتضم مجموعة من المنشدين اللي معظمهم بينتسب بالفعل لطرق صوفية مختلفة، وكلمة “حضرة” هي تسمية للطقس الديني اللي بيعمله الصوفية في المساجد واللي بيتمثل في ترديدهم لذكر جماعي بأسماء الله الحسنى، واتسمت “حضرة” للدلالة على حضور القلب مع المحبوب.. وفرقة “الحضرة” هي محاولة جادة لنقل أو محاكاة الطقس ده قدام جمهور المسارح الفنية المختلفة، علشان كده حفلاتهم دايمًا بتنقسم لجزئين، جزء للإنشاد، وجزء تاني للذكر الجماعي اللي بيبقى نسخة طبق الأصل لما يحدث داخل المساجد.

مين؟

“الحضرة” بدأت على إيد مؤسسها “نور ناجح” صاحب الباع الطويل في مجال الفن المستقل، ورافقه في البداية أكتر من حد من أصحاب الخبرة، بعد كده اتنقلت الفرقة أكتر من نقلة أهمهم كانت نقلتها بعد رمضان 1436 هـ اللي ضمت فيه الفرقة حوالي خمس أو ست منشدين دفعة واحدة، علشان تحقق الحالة المطلوبة.. أعضاء الفرقة كلهم من الشباب ومتوسط أعمارهم بيستقر عند أواخر العشرينات.. وأصواتهم منوعة تنوع مفيد جدًا في صنع منتج فني متكامل.. ومعظمهم أصحاب نشاطات إضافية بجانب الحضرة سواء على المستوى العملي أو الاجتماعي أو التعليمي أو الفني، وده برضه ساعد في عكس صورة أنه الفن جزء من الحياة مكمل ليها مش شيء بيجري في خلفيتها أو على هامشها!

ليه وإمتى؟

“الحضرة” بتحاول من خلال عروضها أنها تنقل للناس المعاني والحالات الروحية اللي افتقدوها بسبب انغماسهم في الحياة والتزاماتها، وبتحاول كمان تنقل لهم تراث ديني وطني شعبي غايب عن كتير منهم بسبب التشويش الحاصل من مجموعات بتتبنى أفكار مضادة للممارسات الصوفية.. وده حصل على مدار سنتين بدأت “الحضرة” فيهم من أماكن صغيرة نسبيًا زي المراكز الثقافية والمساحات الفنية، وبعدين بدأت تتدرج في أماكن أكبر لحد ما وصلت للمشاركة في المهرجانات الدولية الكبرى اللي كان آخرها مهرجان القلعة السادس والعشرين، وقبله كان مهرجان الصيف في مكتبة الإسكندرية، وقبلهم المشاركة في الفعاليات الرمضانية بدار الأوبرا، وقبلهم عروض كتيرة في محافظات مختلفة زي الشرقية والمنيا ودمياط والإسكندرية والبحر الأحمر وغيرهم.. وشاركهم في بعض عروضهم فنانين أو مشاريع موسيقية كبيرة زي الشيخ “محمود التهامي” نقيب المنشدين، وزي الفنان “علي الهلباوي”، وزي الشيخ “إيهاب يونس”، وزي مشروع الموسيقى الكلاسيكية “رباعي أوتار”، وغيرهم.

فين وإزاي؟

“الحضرة” حاليًا ليها أكتر من حفل شهري ثابت، للي عايز يروح يتعرف عليهم عن قرب، زي حفل “ساقية الصاوي” في الزمالك اللي بيكون في الجمعة الأخيرة من كل شهر، وزي حفل “مركز الربع الثقافي” اللي بيكون –في الغالب- في الجمعة الأولى أو التانية من كل شهر، ومؤخرًا كمان بقى ليهم عروض متكررة في دار الأوبرا لكن مواعيدها مش بنفس الثبات والوضوح.. تقدروا تتابعوا الفعاليات باستمرار وتعرفوا أكتر عنهم وتتفرجوا على فيديوهاتهم وتسمعوا تسجيلاتهم من خلال متابعة حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي: فيسبوك (هنا)، ويوتيوب (هنا)، وساوند كلاود (هنا).. وبنأكد لكم: هتنبسطوا!

مقترح