The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

معالم وسياحة

اكتشف مساجد القاهرة: جولة في مسجد السادة الوفائية في المقطم

اكتشف مساجد القاهرة: جولة في مسجد السادة الوفائية في المقطم
بواسطة
Nagla Ashraf

تصوير: نجلاء أشرف

أصابع صغيرة بتشيل التراب من على كتاب قديم ليظهر عنوانه “مساجد مصر وأولياؤه الصالحون”، وبرغم التراب اللي كان مخبي شكل الكتاب إلا أن الأصابع الصغيرة حست إنها ممكن تلاقي صور وسط صفحات الكتاب وبالفعل لاقيت صور كتير صحيح أبيض وأسود ومش باينة إلا أنها استمتعت بتقليب الصفحات.

وفجأة جت إيد كبيرة وهي بتشيل الطفلة الصغيرة اللي كانت لسه هتبدأ تلون صور الكتاب الأبيض وأسود. “ده مش كتابك يا ليلى، ده كتاب ماما بس إيه اللي جابه عندك هنا؟!”. بدأت الأم تقلب بين صفحات الكتاب حتى وصلت لجامع السادة الوفائية واللي كانت سمعت عنه من جدتها مرة بتحكي إنها راحته مرة وعمرها ما نسيت السكينة اللي حسيت بها هناك ولا جمال الألوان والزخرفة اللي شافتها يومها، فقررت إنها تروح هناك مرة تانية وتشوف الجامع هي وبنتها وتستمتع بجماله.

بداية الحكاية

 

 

وسط المقابر المتباعدة في جبل المقطم، بوابة كبيرة جواها أشجار خضراء، بعدها بوابة تانية كبيرة هتدخلك على ساحة فيها مبنى من دورين ومجموعة من المباني التانية كان فيها أماكن إعداد الطعام وفرن وطاحونة بس طبعًا آثار الإهمال طالتهم وبقت أشبه بالأطلال وعليها شكارات أسمنت وأبوابها مقفلة ومليانة تراب. بتمسك الأم بإيد بنتها وبتبدأ تعرفها باسم المكان اللي داخلينه مسجد “السادة الوفائية” أتبنى سنة 1777 ميلاديًا يعني فات عليه أكتر من 200 سنة، ومكانه في جبل المقطم بعد مسجد سيدي بن عطاء الله  وقبل مسجد سيدي عمر بن الفارض. 

 

 

بعد البوابة الثانية الخشبية هتلاقي في وشك على طول باب المسجد واللي منقوش من فوقه بيوت شعر محفورة على الحجر النحيت (نوع من الحجر الجيري)، ومكتوب عليها “باب شريف قد رقى ببني الوفا … الحب فيه أفضل الأقطاب” “قالت لنا أنوار سر جنابه … لاشك هذا أكمل الأبواب”.

 

أما الباب فهو من الخشب الجوز (نوع من أنواع الخشب) ومزين بالنحاس، وشكله من عراقة وأصالة الأولياء اللي أتبنى لهم المسجد في العصر المملوكي، على حسب اللي ذكره علي مبارك في الخطط الوقفية (كتاب قديم) أنه تم إزالة الزاوية القديمة وما حولها من منازل ليتم التجهيز للمبنى الجديد، واللي كانت واجهته بحرية مبنية بالحجر الفص النحيت الأحمر به باب على جنبيه جلستين وفيه باب قبله بـ 3 سلمات مصطبة برسم الركوب لدخول المسجد.

طبعًا المبنى أختلف تمامًا عن وصف علي مبارك، وأختلف أكتر من وصف د. سعاد محمد في كتاب “مساجد مصر وأولياؤها الصالحون” واللي الفرق بين وقت ما كتبت الكتاب ودلوقتي حوالي 50 سنة بس يعني مثلُا كان فيه دوائر نحاسية على الباب جواها أكثر من بيت شعر، دلوقتي مالهاش أي وجود.

 

 

بتدخل من الباب وتلاقي مقامات للسادة الوفائية على اليمين وعلى الشمال حوالي 17 مقام لآل وفا، وفي النص قبة نحاسية مستديرة فوق مقام مربع لسيدي الشيخ محمد وفا وعلي وفا وحول المربع أبيات شعر مدح لهم منقوشة بالدهب وخلفية زرقاء، وعلى باب المقام الخشبي المرصع بالنحاس المذهب ومبنية على رخام من مرمر، ولكن بحسب وصف د. سعاد للمقام زمان اللون اللي كان مدهون بيه المقام كان زيتي ومنقوش عليه بالذهب ومكتوب عليها “إن باب الله طه جدكم … ولكم قدر علي عن علي” “كل من يرجو الوفا من بابكم  … وأني من غيركم لم يدخل”.

 

بس يا ترى مين الشيخ محمد وفا وابنه الشيخ أبي الحسن علي وفا؟ وليه اتبنى للسادة الوفائية مسجد بالحجم ده ؟! 27 متر عرض في 29 متر طول. دي الأسئلة اللي كانت بتدور عليها مامت ليلى علشان تنقل لها تاريخ بلدها صح، بس للأسف ماكنش فيه هناك كتب صغيرة تعرفها إجابات الأسئلة دي علشان كده دورت هي بنفسها في الكتب.

السادة الوفائية قصة وفاء دام 200 سنة

 

الشيخ علي وفا ولد في الإسكندرية سنة 702 هجريًا وسلك طريق التصوف وأصبح شاذلي على يد الشيخ داود بن ماخلا. وعرف بالتقوى والورع ويحكى إنه اتسمى وفا لأن في وقت احتفال المصريين بوفاء النيل اللي بيكون فيها ارتفاع منسوب النيل، جيه منسوب المياه قليل جدًا على غير العادة، فراح سيدي محمد وفا وهو فاكر إن ماحدش شايفه وفضل يصلي ويدعي هناك لحد ما ربنا استجاب له ومنسوب النيل طلع أكتر من المعتاد كمان على حسب المذكور في كتاب الطبقات الوسطى للإمام الشعراني.

 والغريب إن الشيخ محمد وفا كان مابيعرفش يقرأ ويكتب، برغم ده ألف كتب كتيرة  أملاها على تلاميذه، فيها  من الأسرار اللي ماحدش فهمها غيره لحد دلوقتي. ولما حس إن يوم رحيله قرب وصى أحد تلاميذه إنه يشيل عنده “مِنطقته” ودي كانت زي حزام بيتربط على الوسط بس من قماش وقال له أنه يديها لابنه “علي” أول ما يكبر لأنه هيكون شيخ الطريقة بعده، وطول السنين اللي تلميذه “علي الأبرازي” كان شايل فيها الحزام ده قدر ببركتها أنه يألف قصائد مدح كتير، ماعرفش يألف زيها بعد ما رجع الأمانة لابن الشيخ محمد وفا.

أما عن الشيخ علي وفا فكان معروف عنه أنه  ظريف وشيك وبيحب يلبس ويكون جميل في شكله وملابسه على منهج السادة الشاذلية. واللي مشي على نهجه باقي مشايخ آل وفا. فأسس مدرسته على اتباع الشريعة. واللي بينتها أقواله اللي هتلاقوا معظمها في كتاب الطبقات الوسطى للإمام الشعراني. زي اللي قاله في معنى حديث “القلب بيت الرب”: “أي لا ينبغي لعبد أن يدخل قلبه إلا ما يحب الله، ولا يجوز له أن يدخل بيت ربه ما يكرهه ربه من المعاصي والقاذورات، فما أعلمنا الشارع بذلك إلا لنحذر مما يسخط الله”.

 

وصف المسجد من الداخل ما بين الماضي والمستقبل

 

خطوات أقدام صغيرة بتطلع سلم المقام اللي جواه ضوء أخضر، وبتلمس بابه الخشبي وتبوسه وتقرأ الفاتحة زي ما مامتها بتعمل، وقدام مقام الشيخ “علي وفا”، فيه محراب المسجد واللي بحسب وصف د. سعاد من الفسيفساء الرخامية، وعلى جانبيه عمودين رخام من مرمر أبيض فوقهم تاج من الخشب الجوز المنقوش بالذهب، وبرضه المنبر من نفس نوع الخشب وفوقه هلال من نحاس. الغريب بقى إن د. سعاد ذاكرة في كتابها إن أرضية صحن المسجد مفروشة بالرخام الملون الأزرق والأبيض في دوائر، والحقيقة أن أغلب الألوان باهتة جدًا ومهملة، أما الأرضية فالسجاجيد مغطياها.

 

ووضحت في كتابها إن سقف المسجد من الخشب المدهون بلون تركوازي وعليه كتابة باللون الدهبي في مدح آل وفا. لكن في الواقع سقف المسجد حاليًا بايش ومتآكل من أثر الأمطار والإهمال فيه، قطع منه اتكسرت، وفيه ألوان اختفت، ده غير إن اللون أحمر مافيش تركوازي ده غير في نصف عواميد مثبتة السقف وبايشة جدًا.

 

 

زي الحيطان اللي جنب المنبر الناحية الثانية حرفيًا مافيش بلاط ولا رخام على الأرض، والشبابيك الأرابيسك اللي معمولة فوق محطمة ومغلقة ببقايا خشب مستعمل واللي كانت زمان على حسب وصف د. سعاد فيها زجاج ملون كمان ممكن تلاحظوا بقاياه في أركان المسجد.

ده غير إن ألوان  زخرفة الحيطان نفسها مش ظاهر منها إلا بقايا لون أحمر وأزرق تميزهم لما تقرب جدًا من الحيطة لأنهم مش واضحين.أما حيطان المسجد كلها مزينة في النص بمستطيل عريض جواه قصيدة في مدح آل وفا تانية باللون الذهبي وكل شطر من القصيدة بلون عكس التاني  ما بين “أحمر وأزرق”.

كمان بتشرح د. سعاد إن كان فيه 3 خلوات في المسجد واحدة للخطيب جنب المنبر ومكتوب فوقها ” افتح يا فتاح” وتخيلوا إن ده تاريخ بناء المسجد بحروف الكلام وده علم قديم بيكون لكل حرف فيه رقم.

والخلوة الثانية للشخص اللي كان بينور مصابيح المسجد ومكتوب على عتبتها “الله نور السماوات والأرض”، والثالثة لشيخ السعادة مكتوب على عتبتها بالحروف المذهبة، “اللهم هب لنا الخلوة معك والعزلة عما سواك” وجنب بابها فيه باب بيوصل للمساكن والدواليب من خشب الجوز مدهون بنقوش تركية زيتية وطبعًا كل ده أختفى حاليًا، مجرد آثار ممحية وماخدناش بالنا منهم خالص إلا باب  الخطب شوفناه جنب المنبر مليان تراب ومافيش أي حاجة فوقه أو عليه.

 

 

آل وفا واللي وافاهم وفا

 

 

المسجد من أول ما بتدخله بتلاقي مقامات لأسرة وفا على يمينك وعلى شمالك. واللي يضايق جدًا إن المسجد جميل جدًا بس مهمل فحتى أرضه  اللي كانت متغطية برخام وبلاط فاخر دلوقتي بقوا مغطيين أسطح أرضية المسجد غير المتساوية بسجاجيد تبرعات من الأهالي كل واحدة منها بشكل ولون مختلف، والباقي بحصير أخضر، غير منطقة كاملة وراء المقامات من غير سجاد جنب المنبر.

 

وفيه حوالي 17 مقام للسادة الوفائية ، أغلب المعلومات عن أسمائهم وسيرهم موجودة في كتاب “بيت السادة الوفائية، والطبقات الشاذلية” لو حد حب يعرف تفاصيل أكثر. وإن كان أغلب صفاتهم ما بين مكارم الأخلاق والشهامة والكرم والدفاع عن الحق والجمع بين الشريعة والحقيقة.

 

مقترح