The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

فن وثقافة

أيمن رمضان: صعود مميز لفنان مصري مش عادي

أيمن رمضان: صعود مميز لفنان مصري مش عادي
بواسطة
Ester Meerman

“مافيش معاك مفك لو سمحت”؟ ده سؤال أيمن رمضان وهو ماسك نظارة أيد منها مفكوكة. وشرح أيمن الموضوع: “دى نظارة صاحبتى، لو صلحت نظارتها، هـ يبقى ليا عندها جمِيلة”.

دى كانت بإيجاز نظرية أيمن فى الحياة: “تخدمنى.. أخدمك”. الطريقة دى ساعدته يستمر فى شوارع القاهرة سنين طويلة.

أيمن -بعيونه العابثة المستخبية وراء نظارة عريضة سوداء، تحت شعر كبير منكوش- ولد فى قرية قريبة من القاهرة. قرر لما وصل لسن 16 سنة أنه ينطلق على العاصمة وكله أمل، وأحلام وخطط كبيرة، “اللى فى دماغى كان أكبر من مجرد الزواج بدرى، وأنى أخلف شوية أطفال واشتغل مزارع، الموضوع أكبر من كده”.

الحقيقة أن العيشة فى القاهرة كانت أصعب من تخيله، “ما كنتش أتخيل أن كل حاجة هنا غالية بالشكل ده. بعد ما وصلت، أدركت أن مش معايا فلوس كفاية علشان تأجير غرفة فى فندق، واضطريت أنام على الرصيف”.

فى خلال يوم، قدر يلاقى شغل كحارس أمن وكل الفلوس اللى يكسبها يبعتها لأهله فى بلدهم، واللى كانوا ما يعرفوش أن ابنهم بلا مأوى. وزى ما حكى لنا أيمن: “كلمتهم على التليفون كام مرة كل أسبوع باحكي لهم عن شقتى الجميلة، وشغلتى الرائعة وإزاى الحياة فى القاهرة مالهاش مثيل”، أيمن فى الحقيقة كان بـ يقضى ليلته فى الميكروباص والعربيات المركونة فى الجراجات العامة، “ممكن أنظف ميكروباص أو شوية عربيات مركونة قصاد أن أبيت فيهم يوم”.

أيمن قدر يستحمل ويعيش –ويساعد عائلته فى البلد– بالشكل ده كذا سنة.

“فى يوم، اتخانقت مع مديرى فى الشارع علشان رفض يدفع لى. الموضوع كله كان حوالى 20 جنيه، وقتها كانت ثروة بالنسبة لى”.

وفى وسط الموضوع حصلت مفاجأة سعيدة؛ حاجة ممكن تقلب حياة أيمن كلها. واحد كان معدى حاول يهدئ رمضان ومديره، ولما عرف قد إيه المبلغ كان بسيط، لف وبص لأيمن وقال له: “تعالى اشتغل عندى. هادفع لك مرتب أكبر وسكن ببلاش”.

عابر السبيل كان ويليام ويلس مدير جاليرى تاون هاوس، وهو اللى عين أيمن حارس وحرفى فى الجاليرى. وتقديرًا منه للفرصه دى، أيمن قضى كل وقته بـ يشتغل فى الجاليرى.

أيمن انبهر بالفنانين الزائرين للجاليرى، وشعر أنه يقدر يعمل نفس الشغل. فى الأول، أيمن كان بـ يقلد شغل ناس ثانية. وحكى لنا رمضان: “أول حاجة عملتها كان تقليد كامل لتمثال معروض فى الجاليرى”، وفى وقت قصير قدر يلاقى رؤيته الخاصة.

فى سنة 2001 أيمن قدم أول معارضه فى تاون هاوس تحت اسم ‘Hallucination Superstition’ عرض فيه خرافات من التراث الشعبى عن طريق تماثيل معدن. الناس قابلت شغله بترحيب وبعدها عمل معارض ثانية فى تاون هاوس.

وبعد خمس سنين، رمضان عرض شغله فى السويد وحصل على زمالة من أكاديمية سان فرانسيسكو للتصوير، اللى خلته يركز على فن تصوير الفيديو. بعد ما خلص تعليمه، إقامته كانت بين أمستردام، والدنمارك، ورومانيا وهولندا، ودلوقت بـ يقسم وقته بين أمستردام والقاهرة.

شغله بـ يركز على الأفراد، وغالبًا بـ يكونوا أفراد عاديين وسط حياتهم الطبيعية. فى حين أن كثير من تركيزه كان على السياسة المصرية، أيمن بـ يشتغل كمان على الثقافة الشعبية والسياسة العالمية، ده غير التقاليد الإسلامية.

رغم أن أيمن تدرب على فن التصوير والفيديو، ما قدرش يصور أى حاجة خلال ثورة 25 يناير، ” أنا سافرت يوم 28 يناير 2011، ورجعت من هولندا فى مايو، وعلشان كده فاتنى معظم الأحداث. أضف على كده أن كل الناس فجأة افتكرت نفسها مصورين محترفين، وكله ماشى بكاميرا. أنا مش عاوز أعمل كده، الثورة محتاجة وقت وأعتقد أن الفن اللى بـ يعبر عنها صح محتاج يأخذ وقته. أعتقد أنى محتاج عشر سنين كمان قبل ما أقدم عمل يتكلم عن الثورة. معظم اللى بـ يقولوا عليه ” فن الثورة” دلوقت فن عابر ومش هـ يكمل”.

حياته كفنان ما دفعتش أيمن يحارب علشان الفلوس، بس حياة الشوارع علمته يكون حريص ويعيش على القد. وزى ما قال لنا: “أنا لسه بايع عربيتى، الفلوس هـ تساعدنى لفترة لما أسافر هولندا”.

في الكام ساعة اللى قضيناهم مع أيمن بـ نشرب شاى فى تاون هاوس كان فيه طابور من الناس منتظرين يساعدهم: ميعاد مع صحفى هولندى، يعمل تواصل بين صحفى ألمانى مع وسائل الإعلام، وحتى يجيب مربية أطفال لصديقه المصرى. وبعدين ضحك وقال: “ده أنا حتى عرفته على صاحبته”، ووسط كل ده بـ يجهز كمان لعرضين خاصين به فى إيطاليا وتكساس.

واحنا ماشيين فيه جزء جنب الجاليرى شاور على جراج صغير مليان كراكيب -مخزن ميكانيكى-  وقال “بص، أنا فى أوقات كثير بـ أنام هنا، فى مقابل البيات هنا أنا كنت الحارس وكنت نايم تحت المكتب على الأرض، الموضوع كان مريح أكثر من النوم فى عربية أو على الأرض فى الميكروباص”.

صاحب الجراج كان قاعد فى زقاق قريب بـ يحاول يصلح إكصدام عربية. أيمن راح يقعد معاه شوية، ويساعده فى التصليح. أيمن سأل الميكانيكى بعد ما عرض عليه النظارة المسكورة: “معاك عدة أصلحها بها؟” الرجل هز رأسه، وبعت ابنه يشوف مفك ومسمار صغيرين.

قال بعد كده: “أنا بجد محظوظ جدًا”. “عمرى ما كنت أتصور أبقى فنان. بالنسبة لطفل عاش فى الريف، صعب يبقى ده هدفه فى الحياة، طوال عمرى فاكر أنى هـ أكون سواق أتوبيس زى والدى”.

قبل أيام من سفر أيمن لأمستردام علشان يروح الأكاديمية الملكية فى هولندا Rijksacademie، والده توفى، سألنا أيمن: “عارفين رسالة فرانز كافكا لأبوه اللى شرح فيها ليه دائمًا كان خائف منه؟”. أنا كمان بعت لوالدى رسالة، بس بدلاً من الكتابة على ورق، كتبت له على جلبية، دائمًا كان بـ يلبس جلاليب.

أيمن عمره ما نسى رحلة الشقاء، وده انعكس على سيرته المهنية المليئة بالتغيرات. وشرح أيمن: “الحكاية كلها مسألة إيمان، أول ما الناس تثق فيك، كل الأبواب بـ تفتح لك”، أيمن كان كل كام متر يقف ويتكلم مع واحد يعرفه، “لسنين، كل الناس دى ساعدتنى لما كنت عايش فى الشوارع. أنا فعلاً شاكر لهم؛ من غيرهم عمرى ما كنت حققت أى حاجة”.

ومع نهاية حوارنا مع رمضان، ابن الميكانيكى جرى علينا، ومعاه مفك صغير. الفنان مرة ثانية كسب بنط عند صاحبته.

مقترح