The Definitive Guide to Living in the Capital , Cairo , Egypt

فن وثقافة

حسام مصطفى إبراهيم يكتب عن نبيل فاروق: رجل المستحيل الحقيقي

الدكتور نبيل فاروق حسام مصطفى إبراهيم رجل المستحيل ملف المستقبل وفاة نبيل فاروق
حسام مصطفى إبراهيم يكتب عن نبيل فاروق: رجل المستحيل الحقيقي
بواسطة
Cairo 360

بقلم: حسام مصطفى إبراهيم

من ساعة ما عرفت خبر وفاة دكتور نبيل فاروق وأنا متلخبط وقلبي واجعني ومش عارف أكتب أقول إيه!

الراجل ده ما كانش كاتب، إنما بساط سحري، شالنا ولف بينا في كل مدن الإبداع والدهشة والعلم والمعرفة والمتعة، في وقت لا كان فيه إنترنت ولا يوتيوب ولا موبايل ولا حتى قنوات فضائية زي دلوقتي!

رجل المستحيل الحقيقي كان هو نبيل فاروق نفسه، مش أدهم صبري، اللي قدر يقدم كم مذهل ومتنوع من السلاسل الأدبية للشباب، ويحببهم في القراءة بل والكتابة كمان، ويفضل متربّع على عرش البيست سيلر الحقيقي سنوات وسنوات، من غير ما يبتذل أو يخدش حياءنا أو يمرر أفكار هدامة أو مستوردة.

آخر مرة شفته وسلّمت عليه كان في عزا الدكتور أحمد خالد توفيق الله يرحمه، كان مرهق وتعبان وحزين، وطّيت على إيده أبوسها، سحبها مني، فقلت له: أنا بحبك، وسبته ومشيت عشان ما أتقّلش عليه.

وأول مرة قابلته كنت في أولى كلية، في معرض الكتاب، كنا بنقعد نحوّش سنة كاملة أنا وأصحابي عشان نروح المعرض نشتري شوية كتب نعيش عليها بقية السنة. وصلت له بعد انتظار ساعة تقريبًا في طابور طويل كان عايز توقيعه على نسخ روايات مصرية للجيب، قلت له يومها: أنا بحبك زي أبويا، وبدين لك بسنوات من المتعة والمعرفة والفهم والنضج، وبفضلك بقيت بكتب وفي يوم من الأيام هنشر كتب زيك، ضحك يوميها وطبطب على راسي وقال لي: وأنا هبقى من قراءك.

تواضع ومحبة وأبوّة وإبداع وذوق وونس ما بيغيروش البُعد ولا الفراق!

لولا هذا الرجل ما أحببت القراءة، ولا حاولت الكتابة أصلًا، ولا قضيت فترة مراهقة آمنة بفضل سلاسله المتنوعة اللي ما كانتش مخلّية الواحد يفكّر في غيرها ولا يحتاج سواها، كانت عالم مدهش بحق وجديد وثري ثراء عجيب!

أول من علمنا حب البلد والوطنية وفتح عنينا على آفاق مدهشة من العلم والمعرفة والمحبة وربطنا ببطل مصري قومي وعلمنا أبجديات الصراع بين الخير والشر وفهمنا إن العالم أكبر من محيط بيتنا وشارعنا وبلدنا، وبشكل شخصي، علمني ازاي أستخدم اللغة وظيفيًا في وصف الأحداث والشخصيات وتطوير الحدوتة، ونبهني لمعاني كلمات كنت أول مرة أقراها في رواياته وأشوف طريقة وضعها في سياق.

فاكر مرة لما كنت في إعدادي مع الصديق الكاتب محمد هشام عبية، كان معانا العدد رقم ٥٠ من ملف المستقبل، اسمه (الأسطورة) كان عدد مثير ومهم، قعدت أنا ومحمد جنب بعض في حصة (الصناعة) نقراه سوا، وكل واحد يستنى لما التاني يخلص عشان يقلب الصفحة، وخلصت الحصة  والكتاب ما خلصش، فظهرت مشكلة: مين اللي هياخده البيت يكمله، ومين هيستنى لبكره عشان يعرف بقية الأحداث، طبعا ما كانش حد فينا هيتنازل للتاني مهما حصل،في النهاية قعدنا على رصيف بيت قدام المدرسة، نفس قعدتنا اللي فاتت، وخلصنا الكتاب سوا!

ده غير طبعا الكشكول اللي كان مخصص لتدوين المعلومات العلمية والحقيقية اللي كان بيوردها في كتبه الله يرحمه واللي كانت نواة أساسية في ثقافة الواحد ومصدر تميزه في الفصل ومسابقات أوائل الطلبة وإعداد برامج الإذاعة المدرسية.

ولما كنا نصحى من النجمة ونروح لحبيبنا شريف فتحي حسب الله -بائع كتب في مدينة شربين دقهلية- عشان فيه عدد جديد نزل عنده، نشتريه ونفتح الكتاب ونبدأ نقراه واحنا في الشارع، لحد ما نكون خلصنا ٣٠ صفحة مثلا على ما نوصل البيت!

ذكريات لا تنتهي بالكف عن السرد، وأفضال لا تنقطع بالرحيل، وحزن لا يغيب بالزمن، ودعوات لا تتوقف أن يرحم الله هذا الرجل صاحب الأيادي البيضاء على جيل كامل، والشريك الأساسي في كل ما حققوه من نجاح في جميع المجالات.

الله يرحمك يا دكتور نبيل، سلّم لنا على الدكتور أحمد خالد توفيق، والأستاذ رؤوف وصفي، وبوس لي أبويا من هنا ومن هنا، لأنه هو اللي كان بيقتطع من قُوْته عشان يديني أشتري كتبك وعمري ما قال لي لأ على كتاب.

الصورة نقلًا عن موقع قناة الحرة الأمريكية

مقترح